الخميس، 15 فبراير 2018

المذكرة الثانية عشّر.. ( الطلاق )



بعد غياب لا بأس به عن مدونتي .. ( مذكرات نسائية )
العودة مع المذكرة الثانية عشّر
ـــــ

كنت أرقب المشهد عن كثب .. وأرى حالة أبي بعد فراقه عن أمي ..
ضعيف رغم انه يدعي التماسك . وكأنه على وشك الانهيار ... !
يمكث في غرفته طويلاً .. يحاول القيام بأعمال المنزل ..
ولم يكن يجيد حتى سلق بيضة .. كان يترك ورائه فوضى عارمة..
 بقايا القهوة المتناثرة واثر الطبخ على البوتاجاز .... وكان يبدو فخورا
بانجازه بطبخ معكرون ... أو صنع طبق من الدجاج .. وتتسارع في ذاكرتي .. الأحداث عندما كنت أمي تعد طاولة الأكل .. على أكمل وجه ... وترتب البيت وتغسل الثياب وتطويها وتكويها ... وكان أبي يردد على مسامعها .. عندما تتعب وتتذمر .. ما تفعلينه تفعله كل النساء .. وكنت أرى شبح الألم في عينيها وتغضب بشدة .. وتبدأ في الشجار معه وننزوي نحن في غرفنا .. نستمع لأصواتهم العالية .. وتعود أمي لمزاولة إعمالها ويعود هو لمزاولة عمله .. كل الترسبات والتراكمات بينهم .. كان سيأتي يوماً وتنفجر .. حتى حدث ذلك اليوم.. الذي سبقته سنوات من عدم الاتفاق والمد والجزر والخلاف والصلح والفتور وأوقات قصيرة من الود الذي كنت أراه مجاملة أو محاولة للتعايش . وسرعان ما يعودان للشجار والعبوس .. كنت أراهم غير سعيدين .. ضحايا بعضهم البعض.. كونت تلك الفكرة عنهم وأنا أراقب الإحداث التي تتوالى على مدار السنوات ... الماضية قرار .. امي الانفصال لم يكن جديد ..
 لطالما أعربت عن تذمرها وأعلنت تمردها وصرحت عن رغبتها
ولم يكن أبي متمسكا بها إلا لحاجته إليها . اعتياده عليها لم أكن أشعر بالود الحقيقي بينهم ولا استشعرها في معاملتهم معنا كانا دائمي الصراخ والتململ دون شك .. السعادة لم تزر أحد منهم أبي .. كانت له نزوات . . كنت استمع لوالدتي أحيان وهي تصرخ وتواجه .. وكان يتملص ويتنصل ويحلف وتغفر له وهي كانت منطوية على نفسها نوعا ما لم يترك لها مساحة للتنفس كان كل شيء في قاموسه يحتوي على الرفض . ربما أبي كان جيدا.. لكن ليس لامرأة ..
 مثل أمي التي قررت الانفصال بشكل نهائي .. في وقت متأخر وعللت ذلك بعدم قدرتها تركنا ذلك الوقت .. فقد كنا صغارا وبحاجة إليها
ومن الأنانية.. أن تفكر في نفسها تلك الفترة أم ألان نحن في نظرها . نستطيع الاعتماد على أنفسنا ... واجتازتا مرحلة حرجة.. لم أكن استطيع التأثير على والداتي .. لما تلمسته من رغبة .. قوية . . بالتحرر وكأنها محكوم عليها في زنزانة مع الشخص الخطأ ... وكانت مضطرة لتحمل ذلك النزيل ..
 لعدم وجود وسيلة أخرى .. كانت تريد حياة جديدة أكثر تحررا .
لم يكن أبي ليسمح بها.. لم أكن أدري أيهما على صواب ومن المخطئ لست مؤهلة بعد للحكم بشكل .. عادل .. لم اختبر الحياة ولا الشعور.. ولست احدهم..
أمي لديها طاقة هائلة ومخزون .. عارم.. تريد الحياة .. والتقدير والاهتمام وأشياء تحتاجها المرأة .. لتستمر في العطاء.. أو لتعطي بحب .. وأبي الذي كان بين وبين .. لا أجده رجل سيئا .. وأيضا لا أجده رجل متفاهم ومتساهلا لم أكن ارغب بانفصال احدهم عن الأخر .. وإخوتي أعلنوا رفضهم .. وعبروا عن سخطهم ..
 وحملوا أمي كونها الطرف الأضعف المسئولية وبأن عليها الاحتمال للنهاية .. وأنها أفسدت كل شيء بفعلتها .. وكأنها لم تضحي أو تتنازل يوماً الأنانية التي كنت أشاهدها ...
أثرت بي فعلاً .. وددت لو أن الأمور أخذت منحنى أخرى ... وأنهم توصلا . للاتفاق .. يرضي كِليهما .. لكنني لم أكن لأبخس حق احدهم .. أو أعارض رغبته.. أبي .. متردد على الإقبال على الزواج مجددا يخشى خطوة غير محسوبة العواقب . لكنه لا ينفي رغبته رغم انه كان غالبا ما يردد أنه ما كان عليه أن يتزوج أو ينجب .. واستغرب تناقضه .. ثم اعزي ذلك لحاجته لمن تقوم بخدمته ورعايته..
 أكثر من حاجته لزوجة يركن إليها ويبثها.. نجواه .. وأمي التي بدت غير سعيدة رغم انفصالها .. ربما لحسرتها على سنوات عمرها التي ضيعتها دون ان تشعر بقيمتها.. ولكن .. رغم ذلك كنت أشعر بتحررها وتجردها من المسئولية التي كانت ترهقها .. وتستنزف كيانها ..
 كنت أرى الحزن رابض في أعماقها .. بائسة .. لم تحقق شيء مما تريد .. بقمع أهلها ودكتاتورية زوجها .. وأبي الذي حقق اغلب ما يتمنى لم يكن راضيا أيضا .. احتار أيهم أنصف .. أكان عليها الاعتياد والقبول بما هو متاح واستغلال الفرص القليلة .. لنيل رضا أبي .. أم كان عليه احتوائها ومنحها المزيد من الثقة حيرتي تضاعفت .. وتشتت الآسرة لم يكن هيناً الطلاق .. كنت أرى أمي المرأة الأربعينية الجميلة التي تحاول
تلملم نفسها .و تحاول نهب الوقت .. وتعلم بعض المهارات اللغوية وقيادة السيارة .. وتوسيع دائرة معارفها.. لكن حزنها المخفي عن عيون الآخرين
كان يحدثني أنها ليست سعيدة بلقبها الجديد ولم تكن لتريد هدم ما عمرته ولا جزنا في هذا الاختبار الصعب وودت لو أنها حضت بما تريد في كنف رجل يحبها دون أن يضطرها للخيار بين ما تريد وبين ما هو متاح..
وارى أيضا أبي وهو يحاول أن يرمم نفسه ويتلافى الصدمة .
وهو يرى المرأة التي اقترن بها على مدار عقدين ويزيد ..وترعرعت في كنفه تخلت عنه دون أن يرف لها جفن وظل طوال الوقت يلقي بالملامة عليها .وكأنه يبرر فشله في الحفاظ عليها .. ويعزي ذلك لعدم مقدرتها هي في فهمه والحفاظ على أسرتها . .رغم حبه الذي يصرح به تجاهها .. لكنه لم يستطع ان يحتوي حساسيتها المفرطة .. او يقلم طباعها الشائكة وهي لم تجد طريق أو حل وسط بينهم .. كنت لا أجد شيء يجمعهم .. لم يكونا يحبان الموسيقى نفسها أو يتجاذبان أطراف الحديث ... لا تجمعهم أفكار مشتركة
حتى الأوقات الحميمة التي كانت بينهم .. لم تكن سوى رغبة ملحة يقضينها كنت ارقب المشاهد التي تتوالى أمامي بصمت ..
 لأنني أؤمن أن هناك ..
 ( زيجات فاشلة وأخرى ناجحة )
.. وأن ( المشكلة يقع عاتقها على الطرفين ). والكل مدان ..
 أتساءل .. هل ستصبح أمي راضية بما تحققه .. وتجد نفسها .. .. وهل سيندم أبي أم سيلجئ للزواج من أخرى تنسيه خيبته في أمي ونحن أين سنقف .. وهل سنعتاد ما وجدنا أنفسنا فيه هل القرارات تخلق خيارات جديدة .. وهل سنواجه مصير مبهم ..
 أسئلة كثيرة ..
 قررت تأجيلها لحين حدوث ما هو متوقع له الحدوث .. لكنني لم أكن راضية .. لحدوث شيء مما حدث .. لعلي توقعت أن يبذل أحدهم مجهود اكبر للحفاظ على الأخر . لكن .. على ما يبدو أن ما حدث قد حدث منذ زمن .. وأن الطلاق وقع بنفسيهم قبل أن تنطقها ألسنتهم .. ويعقدون العزم .. على تنفيذه كانت هذه رؤيتي ..
...
 راوية فتحي

ليست هناك تعليقات: